تتواصل مسيرة التقدم والبناء في المجتمعات الحضارية وقد اصبحت العمارات والابنية الشاهقة الارتفاع عنواناً بارزأ لهذا التقدم وجانب مهم من جوانبه المتعددة حيث برزت امامنا بين الحين والاخر عقارات تناطح السحاب واخرى تسرق ببريقها اللماع ناظر المشاهد وفي خضم هذا التسابق بين مرج المرايا هذا وتراكب الزوايا الحاد وأغلفة الكابون الحديثة والهياكل العملاقة للتغليف الحديث والتي اسدلت بغطائها على جميع الابنية المعمرة ظهرت نماذج في البناء والاعمار تستند في نجاحها على مواكبة الاطر والقوالب المعمارية الجاهزة والمستورده والتي تخلو من روح الاصالة الممتدة بجذورها الى التراث الاسلامي والبغدادي الاصيل المتميز في البناء .
هنا أستوقف اسماعنا اصواتاً وانيناً تصدر من بناء شامخاً بأصالته يأبى ان يندثر بين ركام النسيان ويتطلع لمن يلبسه حله متجددة تعيد له بريقه الذي خمد بمرور الزمن فهذه بغدادنا بأزقتها وشوارعها لا تكاد تخلوا مناطقها وحاراتها من خان او بنايه او عمارة تأصلت في القدم فكانت شخوصاً وأدله سميت بها ومنها يأتي وقف خان الباشا الكبير ليكن عنواناً ونموذجاً في الاصالة والتجدد.
وحيث سكن الخان بمحلاته وغرفة شارع السمؤل سكنت معهم الازمنة وتجاورت بهم الذكريات فهو اسماً كبيراً حمل معه عبق الماضي وحكايا ساكنيه فترابه من الاجر البغدادي القديم وسقوفة مطرزة بعرق بنائيها وقد وظعت احمالها على اعمدة خشبيه نقشت عليها افراح واحزان المالكين والغرباء وفي ثنايا جدرانه قد طويت سنوات من الشموخ واخرى من الاهمال حتى اصبحت باحاته ركام مهدم وجدرانة تستند على جيرانها حتى باتت تستغيث .. لمن ينقذها من قهر الزمان .
لمن يجددها . . .
ولمن يعيد للخان زهوته . . ورونقه
ولمن.ينهض به ليواصل مسيرته . . .
فجائت نجدته سريعة من قبل هيئة ادارة واستثمار اموال الوقف السني والتي اعطت له تميزاً في خطتها في الاعمار والتجديد وهي خطة طموحة اعدت في ترتيب زمني مناسب لتعمير واعادة تاهيل السواد الاعظم من العقارات والابنية الوقفية على اسس ومعايير هندسية توازن بين اصالة الماضي وحداثة الحاضر وفق الطراز والقالب التراثي البغدادي دون المساس بروحه عراقته
الخان بين الماضي والحاضر
ويعد خان الباشا الكبيرمن الخانات القديمة في بغداد وهو من اوقاف الواقفين (داود باشا وسليمان باشا وخديجة عبد الله )ولذلك تاتي تسميه الخان باسم الواقف الاكثر اسهماً .
وفي سنه 1936 اعيد بناء واجهة الخان وفق الطراز العباسي المعتمد على الاقوس هذا ويقع الخان في منطقة تجارية كان في فترة ما مقراً لتجار الحبوب ثم ارتاده تجار الجلود استقر على تجارة المنسوجات وتجارة الاقمشة والالبسة الجاهزة وطيلة فترة 70 سنه الماضية لم تجرى عليه أي صيانة او تصليحات تذكر حتى اصبح أيلاً للسقوط بل تهدم الجزء الاكبر منه واصبح انقاضاًً حسب تقرير لجنة الدفاع المدني بعد عام 2003 .
اعادة تاهيل شاملة بأطر الطراز العباسي
كانت الاولوية الزمنية للمباشرة في تاهيل شامل وحيوي لخان الباشا الكبير وخصوصا وبعد اكتمال جميع الموافقات الضرورية سواء من دائرة الاثار والتراث وغيرها وعلى اثرها شكلت لجنة فنية متخصصة من الكوادر الهندسية في هيئة ادارة واستثمار اموال الوقف السني لوضع تصميم معماري حضاري بشرط المحافظة على الطراز العباسي وربط البناء الحديث باضافاته والواجهة القديمة مع ترميم الجزء الامامي منها وقد تمت المباشرة بالاعمال الانشائية في نهاية 2009 شملت بناء حضاري متكون من سرداب وطابقين يحتوي على 90 محل بعد ان كان 60 العديد منها مهدم .
وقد استخدم في البناء جميع الخامات ذات الجودة العالية مع التاكيد على اختيار اصحاب الحرف المهرة للوصول الى المنتج العالي وفي ادق التفاصيل وبالاخص اعمال ترميم الواجهة وربطها بالبناء الحديث وبأشراف ومتابعة مهندسي دائره التراث والأثار وبعد انجاز الموافقات الاصوليه من امانة بغداد .
اسواق جديدة وارزاق متفتحة بها
يؤكد المواطن قيس لطيف اسماعيل وهو احد المستاجرين لعدد من محلات الخان قبل التعمير وبعده على رغبته الواسعة لتعميم هكذا مشاريع ناجحة على مختلف الابنية واعتبارها نموذجاً ناجحا حيث يصف حال الخان سابقا بالمزرية فالمستأجرين سابقاً لايأمنون على حياتهم كون البناء متداعي وقديم ولا يتلائم وطبيعة المعروضات من الالبسة الجاهزة والتي تحتاج الى اماكن عرض حديثة ونظيفة .
كما ويشيد بالطريقة التي تعامل بها الوقف السني مع المستاجرين بأشتراطه على المساطح عدم اخراج المستاجرين القدماء وحفظ حقوقهم باعادتهم لمحلاتهم السابقه ضمن الخان .
وتطرق المواطن قاسم محسن وهو احد المستاجرين لاحد المحلات في الطابق الاول للايجابيات المتحققة من اعادة بناء الخان وبالطريقة الحديثة هذه حيث قال لقد فتحت اسواق وارزاق جديدة مما يشجع على حركة وتنوع اكثر في التجارة مما ينعكس بالاجمال على تطور الاقتصاد العراقي وحيث اننا في سفر دائم الى دول عديدة ويعز في انفسنا رؤيتنا لعديد من الدول المجاورة وهي في تطور مستمر وحالنا على ما هو عليه لسنوات ولكننا نرى في هذا المشروع بصيص امل واختتم قوله (بارك الله في أي خير يساهم بتطور العراق )) .
أما المواطن علي خليف حسين فقد ركز على اهمية الموقع الجغرافي للخان اقتصاديا فحالته في السابق لاتخدم احداً فكثير من المحلات اصبحت مخازن مندثرة والان هي منظمة مرتبة انيقة وقد زاد عددها فبعد ان كانت تشكل خطراً ومسببا للحرائق اصبحت باحاتها ومحلاتها ابواباً للحياة .